المواعظ
%PM, %26 %708 %2017 %18:%أيار

الأحد بعد الصعود - ثمار القيامة: الشهادة

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأحد بعد الصعود

ثمار القيامة: الشهادة (مر 16: 9- 20)

 

تراءى ربّنا يسوع لتلاميذهِ بعد قيامتهِ ووبخهم على قلّة إيمانهم وقساوةِ قلوبهم لأنهم لم يصدّقوا الذين تراءى لهم وبشّروهم: "أنه حيٌّ". لم يتخلَّ عن تلاميذه ولم يصرفهم إلى بيوتهم وأشغالهم لأنهم تركوه في بستان الزيتون يواجه مُتهميهِ ويتحمل وحدهُ العذاب والصلب، كما ولم يؤمنوا بكلام النسوة والشهود الذين ظهرَ لهم بعد قيامتهِ، بل لحِقَ بهم حيثما كانوا في العلية أو على شاطئ بحيرة الجليل أو في الطريق إلى قريتهم. لم يكن بينهم مَن يدعي البطولة أو التميّز في الإيمان، فكلهم هربوا ويعوزهم الإيمان، إلا أنهم ليسوا بعيدين عن محبّة الله التي بحثت عنهم حتّى في مخابئهِم لتنتشلهُم وتبعث فيهم الفرح من جديد. "محبّة الله" التي أرسلت لهم ربّنا يسوع المسيح، غفرت لهم عوز الإيمان وقساوة القلب. المحبّة غفرت لهم الخيانة ليس فحسب، بل أختارتهُم من جديد ليكونوا شهوداً له، شهودَ محبتهِ وغفرانهِ. فالمحبة رحمة والرحمةُ غفرانٌ والغفران خلقٌ جديدٌ. 

تراءى ربّنا يسوع بعد قيامتهِ ليبعثَ في تلاميذهِ روحاً إرسالياً إذاً: "إنطلقوا إلى العالم أجمع وآكرزا ببشارتي في الخليقة كُلهّا". قيامتهُ هي "بُشرى سارّة" للعالم أجمع، تُعلِنَ أن "المحبّة" هي أقوى من الموت. ومهما حاولَ الشرُ أن يُضايقَ على المحبّة ويحبُسها في قبرٍ أو في عليةٍ، مثلما حصلَ مع التلاميذ، فلن ينتصِرَ على "محبّة الله" التي تجمع شتات الإنسان، وتُعزيه في مخاوفهِ، وترافقه حتّى في حيرتهِ وشكوكهِ ليخرجَ من "حبسهِ"، ويواصِل عمل الخلاص الذي بدأه الله بيسوع المسيح.

لذا، فقيامةُ ربّنا يسوع دعوةٌ للإيمان، لقبولِ بشارة الله وبدءِ حياة القيامة مع ما يُصاحبُها من تحديات وصعوباتٍ إن كانت شخصيّة: "لا أصدّق ما حصل"، وإن كانت عامّة: شياطينَ وصعوبات في التواصل وسمومٌ وأمراض. عالمنا، وبكل ما يحملهُ من قوى شيطانية رافضّة لله بحاجةٍ إلى "شهود القيامة" لا إلى معلمي القيامة. ربّنا لم يعد التلاميذ بإرسالية آمنة وبقبولِ الناس لهم، بل وعدهم بمرافقةٍ أمنية لهم، مثلما لم يُحدد لهم نطاق التبشير، فالخليقةُ كلها مدعوة لأن تسمَع هذه البُشرى: "المسيح قام". في مواجهة هذه القوّى الشيطانية يبقى المؤمُن بحاجةٍ إلى "آياتٍ" تعضده في مسيرة التبشير، علاماتٍ على الطريق تُثبتهُ في المسيرة، وتُصادِق على مضمون البشارة. وفي هذا ينالُ الإنسان "كرامةَ" جديدة: فهو الصديق ولم يعد "عبداً" ينفِذ الأوامر. هو عبدٌ لأن قَبِلَ تكريسهُ من الله، وفي قبولِه نالَ "نعمةَ الصداقة" ودُعي ليُشارِكَ في نشر ملكوت الله الذي بدأ قبلَ أن يكون.

شياطينُ هذا العالم كثيرة ومتمايزة، وهي تسعى لتبُثَ السموم في كل الخليقة، وسمومها قاتلِة وموجِعة تخلقُ حالة من الخوف والعنف بين الناس. شياطينٌ تجعل الإنسان، المجتمع كلّهُ مريضاً. فالشّر حاول "حبسَ ربّنا يسوع في قبرٍ جديد"، وبث سموم الخوف والشّك بين التلاميذ، فلم يصدقوا ما قيل لهم، وجعلعم مرضى يخافون الناس. لكّن الله الآب لم يتركهُم، فجاءَ إليهم وحلَّ بينهم، يُبكتُهم ويُثبتهم في الإيمان ليواصلوا المسيرة.

التلاميذ، الكنيسة، نحن، شهود القيامة، "شاهدُ القيامةِ"، يُعلِن محبّة الله التي تغفُر لتبدأ للإنسان حياة جديدة، قد لا يُصدقها ولكن عليه أن يحياها. كل مُجتمعٍ يغيبُ عنه "نورُ إلهنا وملكنا"، هو مجتمعٌ مريضٌ. وعندما يغيبُ ربّنا عن حياتنا، نُصبحُ نحن شياطين واحدنا آزاء الآخر، ونتكلّم بلغاتِ هذا العالمِ، لغة الحسد والعنف والبغضاء، ما خلا لغة المسيح يسوع، لغة المحبة، بل أن كلماتنا هي أشبه ما يكون بسُمٍ مُميت في حياة الآخرين، لذا زاد عدد المرضى والفقراء بيننا، لأن الشهود اختفوا، ولم يعد العالم يرى فينا شهوداً ليسوع المسيح.

اليوم، ومن خلال التلاميذ نحن مدعوون لأن نرى يسوع، إن كنا مستعدين لنشهد أننا مؤمنون به، وإذا كان لنا الاستعداد لنطرد شياطين عالم اليوم، ونضع أيدينا على مرضى عالم اليوم، ونُمسك بالذين يُجربون إنسان اليوم ويُعذبونه بسموم أفكارهم ومواقفهم. ولربما تكون البداية مع ذواتنا، فنفوسنا مُصابة بأمراض كثيرة نتيجة سموم شياطين كثيرة من حولنا. فلنرحَم أنفسنا، ولنسمح ليد الله الشافية لتمُس قلوبنا وتُضمّد جراح الماضي فيكون الشفاء تاماً. قد يكون الغفران مُستحيلاً، أو صعبُ التصديق، لكنه يبقى ممكنا، لأن إلهنا لن يتركنا نتيهُ، بل يجذبنا إليه، ويُحمّلنا رسالة جديدة: "إنطلقوا وإكرزوا بالملكوت". 

 

الأول يعد الصعود

قراءة 92010 مرات

5903 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *